الثلاثاء، 11 أبريل 2017

تأملات في الفن التشكيلي




تأملات في الفن التشكيلي
شريفة الغامدي


في معارض الفنون التشكيليَّة ترى العديد من اللوحات المذهِلة، والتي تقف حائرًا لروعتها متسائِلاً: كيف اهتدَى صاحبُها إلى هذه الأفكار المبْهِرة، المبسوطة على لوحة القماش؟!

أظنه كما يقال: "إحساس بالمألوف بطريقة غير مألوفة"، رؤية مختلفة عن رؤى الآخرين، تجعلهم يبرزون ذلك الجزء المنزَوِي عن الأعيُن بطريقةٍ ملْفِتة، تسفِر بأنَّ هاهُنا موطنًا للجمال، فانظُروا إليْه.

هل رأيتَ يومًا الشُّعور مرسومًا في لوحة؟ 
إنَّهم حقًّا يفعلون، يَجعلونك تقف متأثرًا ومتفاعلاً ومتحمِّسًا أمام لوحاتهم.

المتأمِّل في الفن التشكيلي يجِده - باختلاف مدارسه وعلى مر العصور - تعبيرًا صامتًا؛ ولكنَّه مؤثر وموثّق ربَّما أكثر من الكتابات.

في معرض أقيم تفاعُلاً مع أحداث غزَّة المؤلمة، كانت الرُّسومات واللَّوحات تحكي حكايات وحكايات صامِتة، عن الألم والحزْن، والظلم والقهر، واليتم والعزة، والشموخ والعفة، والصمود والثبات والقوَّة، كلها تحكي بصمْتٍ ما جرى منذ الأزل وحتَّى الآن.

كان طرحًا وافيًا للأحداث دون كثير كلام، تصويرًا للمعاناة بصمت.

حس وشعور عال رفيع.

نعم، هناك الكثير من الشُّعور والمعنى يقف خلف لوحة بها جدار فقط، إذا ما استطاع الفنَّان أن يضع ذلك الشُّعور والمعنى بها، فلم تعد اللوحة مجرَّد صورة ترسم؛ بل أصبحت فكرةً ومعنًى وحسًّا.

يقول الدكتور علي الغول: "الفنُّ تعبير عميق عمَّا هو مخزون داخل القُلوب البشريَّة، من انفِعالات وأحاسيس ذات رسالة معيَّنة موجَّهة من قِبَل الفنَّان إلى الجماهير عبر العصور والأزمنة".

أنا لا أتحدَّث هنا عن الفنون المتجاوزة للذَّوق العام، بل عن الأنامل التي أبَتْ أن تتجاوز ألوانُها ما شرع الله، فكبحت جِماحَ رغبتِها ووقفت عند ما لا يرضاه الله، رافضة الإقدام، رغْم المغريات.

أتحدَّث عن الفنِّ الرَّاقي، الَّذي ينمُّ عن ذاتٍ راقية تُحاكي باحتِرام واقعَ مجتمعاتِنا، تنظر وتضَع أناملَها على موضع الألم في الأمَّة، وتُعايش هموم المجتمع بطريقتِها الخاصَّة.

ألوان رفضت أن تمرَّ بالحدث مرورَ اللِّئام، بل شاركت وتفاعلتْ وشجبتْ كما شجبت الأقلام والصحُف والإذاعات والقنوات، ولكن دون كثير ضجيج، فكان صخبًا صامتًا تُطْرِق له النُّفوس وتتفاعل معه.

يقول الفنان الخديدي: "كانت الأفكار والرُّؤى تأتي كنتاج طبيعي لمعايشة الواقع والتَّفاعُل معه، والانطلاق منه وتلْخيصه واختزال مفرداته، وإعادة صياغتها، كما أنَّها أخذت في اعتبارها تبني الخطاب التاريخي والاجتماعي والسياسي، وإدراجه ضمْن أولويَّاتها، والعمل على التَّعايُش مع المجتمع، ومعايشة قضاياه بشكْلٍ أكثر مصداقيَّة"[1].

وهذا الفنُّ ليس شيئًا مستحدثًا غريبًا، فقد كانت وسيلة التَّعبير عند الإنسان الحجري، فرسم ونحت ونقش على الأحجار وجدْران الكهوف رسومًا ونقوشًا توضِّح تفاعُله وصراعه مع البيئة من حوله، ومحاولاته للتغلُّب عليْها وتطْويعها، فكانت الرسوم والنُّحوت طريقتَه لنقْل معاناته ووسائله وثقافته وحضارته للأجْيال.

ثمَّ ضمَّنها إحساسًا وتصويرًا لتفاصيل الجمال ودقائقه في الأشياء من حوله، فحوَّل صور الطبيعة إلى زخارف وأشكال على الأنسجة والمفارش والجدران، بشكل حِرفيّ، وتنوَّع في استخدام الألوان وإضافة عناصر جديدة إليْه، تطوِّره وتنمِّيه.

ثمَّ أصبح الفنّ التَّشكيلي تدريجيًّا أكثر عمقًا، فأضْحى وسيلة للتَّعبير عن الذَّات أو عن انطِباعات ورؤًى معيَّنة تَختلج في داخل الإنسان تتضمَّن أفكاره وتجاربه، واتَّخذه وسيلة لتفْريغ الشحنات الانفعاليَّة التي تعتريه، كالألم والغضب والخوف، فعبَّر به في زمن ماضٍ عن الثَّورات والحروب ورغبة الشعوب في الحرِّيَّة.

إنَّ الفنون بأنواعها - الرسم، والتصميم، والنحت، والنقش، والزخرفة، والديكور، والعمارة، وتنسيق الحدائق، وتخطيط المدن ... - هي جزءٌ من ثقافة النَّاس ومن ممارساتِهم اليوميَّة التي يمارسها البعض بتلقائيَّة وآليَّة كالحرفيِّين، وليستْ فقط من عناصر التَّرف والتَّرفيه، بل هي ثقافة وحضارة موثقة وامتِداد لموروثات عريقة.

كالفنِّ الإسلامي القديم، الذي برز في العمارة والزَّخرفة الهندسيَّة والخط، والذي يَحمل الهويَّة الإسلاميَّة المميزة له والطَّابع الخاص به، كالخطِّ الكوفي الذي بدأ استِعْماله سنة 18 هـ في كتابةِ المصاحف، وكذا في الكتابة على جدْران المساجد والقصور، والخط الديواني والأندلسي والثُّلُث، وغيرها من الخطوط الزخرفيَّة الجميلة.

الفنون موهبة من الله، منهم مَن يطوعها لرضاه ومنهم مَن غوى وتجاوَز، فنحت التَّماثيل والمجسَّمات محاكيًا خلْق الله، وقد وردتِ الأحاديث الصَّحيحة بالنَّهي عنْها؛ ففي الصحيحَين عن أبي هريرةَ - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((قال الله تعالى: ومَن أظلم ممَّن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرَّة، أو ليخلقوا حبَّة، أو ليخلقوا شعيرة)).

والمعلوم أنَّ أشدَّ النَّاس عذابًا المصورون؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ الَّذين يصنعون هذه الصُّور يعذَّبون يوم القيامة، يُقال لهم: أحْيوا ما خلقتم))؛ رواه البخاري.

ويظل الفنُّ التَّشكيلي من الهوايات المحبَّبة الَّتي يمكن أن يوجَّه إليْها النشء، لتفجِّر طاقاتهم الإبداعيَّة وتؤهِّلهم لممارسة عدد من المهارات في حياتهم، وتنمي أفكارهم وقدراتهم الذهنيَّة، من خلال البحث في المواضيع المختلِفة، واستعمال الخامات البيئيَّة وتدْويرها للاستفادة منها، وتعلمهم المهارة والإتْقان في إنتاج الأشياء وفي أدائها، ولشغْل أوقات فراغهم بدلاً من هدْر الوقْت في التسكُّع في الشَّوارع والمقاهي، والتنقُّل بين القنوات التلفزيونيَّة.

ولا بدَّ من التَّوجيه السَّليم لهم، وحثهم على التقيُّد بما يُبيحه الشَّرع من الفنون، والبعد عمَّا يعرِّضُهم لسخط الله؛ ففي صحيح مسلم: أنَّ رجُلاً جاء ابنَ عبَّاس - رضِي الله عنْه - فقال: إني رجل أصوِّر هذه الصور فأفْتِني فيها، فقال: ادن مني، فلمَّا دنا منه، ثمَّ قال: ادن مني، فدنا منْه حتَّى وضع يدَه على رأسه، فقال: أنبِّئُك بما سمعتُ من رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كلُّ مصوِّر في النَّار، يجعل له بكل صورة صوَّرها نفسًا تعذِّبه في جهنَّم))، وقال: إن كنتَ لا بدَّ فاعلاً، فاصنع الشَّجر وما لا نفس له.

لذا؛ يَجب توجيهُهم نحو رسْم أو نَحت ما لا رُوحَ فيه، والبُعْد عن رسْم ذوات الأرْواح؛ طلبًا لرِضا الله - تعالى - واتِّقاءً لعذابه.

لفتة:
كلُّ هذا الفنّ المبهر السَّاحر المتقن هو صنع البشَر وعمل أيديهم، نتوقَّف لنتأمَّل أعمالهم ونعجب لبديع إتْقانها ودقَّة صنعتها، فهل نتوقَّف لنرى إبْداع صنع الله الَّذي أتْقَنَ وأحسَنَ كلَّ شيء خلقه؛ {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقَا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَحْمَنِ مِنْ تَفَاوت فَارجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3].

ما ترى في خلقه تعالى من تفاوُت، ولا تباين، ولا تناقض، ولا اعوجاج، ولا خلل، ولا عيب، بل هو صنع متْقن تامّ الصَّنعة، دال على عظمة خلق الخالق.
بَنَى لَكُمُ بِلا عَمَدٍ سَمَاءً        وَزَيَّنَهَا  فَمَا  فِيهَا  فُطُورُفانظُر وتفكَّر واعتَبِر.

ــــــــــــــــــ
[1]   كتاب مدونات تشكيلي، فيصل الخديدي.


**************



ما هو الفن التشكيلي
 بواسطة: غادة الحلايقة 
-  ذات صلة ما هي الفنون التشكيلية تاريخ الفن التشكيلي الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها تعريف الفن التشكيلي تعريف الفن التشكيلي يعرف الفن التشكيلي على أنّه كل ما يؤخذ من الواقع الطبيعي ، حيث يتمّ صياغته بطريقة جديدة ، أي يتمّ تشكيله بشكل جديد ومختلف عمّا هو في الطبيعة ، فلذلك يطلق عليه اسم ( تشكيل ) ، حسب رؤية هذا الفنان الذي يقوم بأخذ أفكاره والمفردات التي يودّ تشكيلها من جديد من المحيط الذي يعيشه ، ووفق نهجه الخاص . أهم مدارس الفن التشكيلي إنّ الدارسين للفنون عموماً ، وللفن التشكيلي على وجه الخصوص ، قد وضعوا دراسة وتصنيفاً يحدّد المدارس التي تنتمي لهذا الفن ، سآتي على ذكر أهمّها : المدرسة الواقعيّة : وهي التي يتمّ نقل الواقع الموجود طبيعياً بصورة فنيّة ( طبق الأصل ) ، فتكاد تكون كصورة فوتوغرافيّة ، حيث تلتقطها عين الفنّان وتسجّلها بأدقّ تفاصيلها وأبعادها ، إلاّ أنّ وبسبب عدم تملّص الفنّان من مشاعره واحاسيسه ، فغالباً ما كان يدخل شيئاً من عواطفه في عمله ، فوجدت ( الواقعية الرمزية ، والواقعيّة التعبيريّة ) . وقد أثّرت الفترة التي ظهرت فيها الواقعية في أعمال الفنانين إنّ كان بتوثيق الشخصيات التي اشتهرت سياسياً أم اجتماعياً أم دينياً ، لنجد أعمالهم أتت على شكل كلاسيكي ، مهتمة بالبورتريه الصامتة . المدرسة الإنطباعيّة : وبدأت هذه المرحلة من الفن ، حينما قرر الفنان حمل مرسمه والخروج به خارج غرفته ، متجهاً إلى الطبيعة ، حيث كان يعتمد على المشاهدة الحسيّة ، فيضفي بذلك على المنظر أحاسيسه التي استقاها من انطباعاته الحسيّة المباشرة ، وتميّزت هذه اللوحات على إبراز العناصر الطبيعيّة أكثر كالنّور والظلّ ، وما إلى هنالك . المدرسة الإنطباعيّة الجديدة ، أو ما بعد الانطباعيّة : وهي دمج بين المدرستين الإنطباعيّة والواقعيّة ، بأسلوب حديث ، وقد تميّز فنانين هذه المدرسة بعدم رضاهم عن الطريقة الإنطباعيّة القديمة ، حيث بحثوا عن الأصالة والعمق ، فبقي مرسمهم في الطبيعة ، إلاّ أنّ ألوانهم كانت شديدة ، وأعمالهم تتسم بالتناسق ، فأتت أعمالهم على القماش للمرة الأولى . المدرسة الرمزيّة : وهي التي بدأت بالاعتماد على الترميز في الرسم ، والتخلّي عن التصوير طبق الأصل للطبيعة ، فكان الترميز واضحاً من خلال أوضاع الرسم وأيضاً الألوان . المدرسة التعبيريّة : وهي ظهرت مع بداية القرن العشرين ، حيث اعتمدت على فكرة عدم التقيّد بنقل الصور بأمانة ، وإنّما تعتمد على إنطباع الفنّان لهذا المشهد أكثر من تصويره بدقّة . المدرسة الدادائيّة : وكان هدف هذه المدرسة توصيف لكل ما هو مهمل في الحياة ، وبذلك تعظيمها وشرحها كما لو أنها غاية في الأهميّة ، كتصوير سلة المهملات ، أو أرصفة ملوثّة ، فكان الهدف من طريقة الرسم هذه هي إظهار الأهميّة . المدرسة السورياليّة : حيث اعتمدت هذه المدرسة على تجسيد الأحلام والأفكار ، فكانت ترسم عن طريق استعادة ما في الذاكرة ، لا عن طريق النقل . المدرسة التجريديّة : وهو يعتمد على تجريد الطبيعة للحقائق التي هي عليه ، وإعادة بثها بطريقة مختلفة عن حقيقتها ، وإنمّا برؤية الفنان التي تخضع لخياله ولألوانه الخاصّة والحركة .





******************************

الفن التشكيلي المعاصر من الثمانينات إلى اليوم
 سمير غريب 
هل هي مصادفة أن تقوم ثلاثة متاحف فنية كبيرة في ثلاث عواصم مختلفة وفي الوقت نفسه بإقامة معارض عن الفن المعاصر خلال الثلاثين عاماً الأخيرة؟ ولماذا اختيار الثمانينات من القرن الماضي كبداية لهذا الجرد؟ هناك معرضان يقتصران على البعد القومي، بينما ينفتح الثالث على العالم كله، وهو المعرض الأهم. معرضا البعد القومي أحدهما في العاصمة الصينية بكين في متحف الصين القومي للفن تحت عنوان «30 عاماً من تطور الفن الصيني المعاصر منذ الإصلاح». والمقصود السياسة التي بدأ الزعيم الصيني الراحل دنج هسياو بنج تطبيقها في أوائل الثمانينات.
المعرض الآخر يفتتح في متحف الفنون الجميلة في العاصمة السويسرية برن في عنوان «هنا والآن» عن الفن السويسري في الثلاثين عاماً الأخيرة، ويستمر حتى 26 نيسان (أبريل) 2015. يقدم مختارات من أعمال الفنانين السويسريين من مقتنيات مؤسسة «كينست هيت»، والتي تأسست عام 1982 ومن مقتنيات خاصة، ويتضمن أعمالاً لم تعرض من قبل.
أما المعرض الأهم والأكبر على الإطلاق فيتمثل في العرض الجديد للمقتنيات المعاصرة لمتحف الفن الحديث في باريس (مركز جورج بومبيدو) الذي يقدم للمرة الأولى إطلالة بانورامية على الفن التشكيلي في العالم خلال الثلاثين عاماً الأخيرة. هكذا، تستطيع دولة من أقوى الدول ثقافياً، ربما هي الأقوى، مثل فرنسا أن تجمع في معرض واحد 420 عملاً فنياً متفاوتة في الأنواع والخامات والأحجام والأشكال أبدعها 180 فناناً من 55 دولة. والمدهش أنها كلها من مقتنيات هذا المتحف!
تم تقسيم المعرض الضخم إلى أقسام موضوعية كلها مفاتيح لفهم التنوع الثري للفنون التشكيلية التي تم إبداعها خلال تلك الفترة. فهي لا تعبر فقط عن الإبداع الفني، إنما هي أيضاً عن انعكاس لتاريخ موجز للعالم لم تغلق صفحته بعد. لذلك، كانت تسمية المعرض «تاريخ» على مسماه. فهي أيضاً مفاتيح لقراءات متعددة لأحداث مختلفة سياسية واجتماعية وثقافية، بل اقتصادية. هكذا، يكون الفن «روح» الزمن. وهكذا أفسحت إدارة المتحف مساحة كبيرة لحياة هذه «الروح» التي «تشغي» بأرواح آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم يتجولون بين حناياها، حتى انتهاء هذا العرض المتميز.
أعود إلى السؤال: لماذا اختيار الثمانينات كبداية للجرد؟
إنها ليست مصادفة. فقد شهدت هذه السنوات تحولات جذرية في العالم في مجالات الحياة كافة تقريباً، انعكست على مجال الفنون التشكيلية فتحولت تحولات جذرية. هنا مجرد أمثلة قليلة ولكنها دالة: شهد عام 1980 ظهور محطة تلفزيون «سي إن إن» التي كانت أول محطة إخبارية فضائية، لعبت دوراً ضخماً في نقل الأحداث من كل مكان إلى كل مكان. في العام نفسه شن صدام حسين حربه على إيران التي استمرت العقد كله. في 1981، بدأ اكتشاف مرض نقص المناعة المعروف باسم «إيدز». ظهرت كاميرا الفيديو والأقراص الرقمية (CD) عام 1983. عام 1984 ظهر الجينز الذي أحدث ثورة في الأزياء، وفي العام نفسه أطلقت شركة «آبل» جهاز الكمبيوتر الشخصي «ماكنتوش». وأتى غورباتشوف على رأس السلطة ليصبح آخر رئيس للاتحاد السوفياتي ويفككه. عام 1986 شهد الكارثة النووية الأولى، بعد صمت لأكثر من أربعين عاما بعد كارثة هيروشيما وناغازاكي، وهي كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل في الاتحاد السوفياتي. سجل عام 1989 عصراً جديداً: سقوط حائط برلين الذي لم يقسم فقط بين دولتين، ولا بين نظامين، بل قسم بين عالمين للفن في أوروبا. في قارة أخرى، ركزت أحداث ميدان «تيانانمين» في بكين، في العام نفسه الأعين على صين جديدة. ليست جديدة تماماً، ولكنها تتغير على وتيرتها. انتشرت بيناليهات الفنون في القارات كافة. ظهرت لأعين الغرب مناطق فنية جديدة، وسعت الآفاق للتفسيرات الفنية لفترة ما بعد الاستعمار وتاريخها لتشمل العالم كله.
في خضم هذه الإثارة المشتعلة أعاد فنانون ابتكار ممارساتهم، بينما أثارت العولمة في كثير من الأحيان ردود فعل منتقدة. شهدت التسعينات من القرن الماضي ظهور شخصيات جديدة هجينة: الفنان كمؤرخ، موثق، منتج، ومخرج أفلام تسجيلية. بينما استمر البعض في إعادة النظر في الحداثة، أعاد آخرون ابتكار الحياة اليومية بتطويع أشياء عادية، والانغماس في واقعيات جديدة، تقديم مشاركات أو عروض جديدة، استكشاف إمكانات صوتية، إعادة ابتكار علاقات بالجسد وتمجيد الخبرات الحسية. عكس العرض العالمي الأهم لمئات من مقتنيات متحف الفن الحديث في باريس لفنانين من القارات كافة كل هذه التغيرات. هاكم قراءة سريعة جداً ومختصرة جداً لأبرزها.
الفنان مؤرخاً: بعد سقوط حائط برلين، جعل كثير من الفنانين من أحداث درامية في التاريخ المعاصر موضوعاً لمعالجاتهم. على سبيل المثل، ظهر في الثمانينات فنان أميركي زنجي شاب (من بروكلين – نيويورك) اسمه جون ميشيل باسكيا، بدأ برسم غرافيتي، ثم وقف في الشارع يبيع «تيشيرتات وكروت بريد» عليها رسوماته، قبل أن يتعاون مع الفنان المشهور آندي ورهول ويقيم معه معرضاً مشتركاً، ثم يموت وعمره 28 عاماً. على إثره، وفي التسعينات، ظهر جيل من الفنانين المسيسين الأفروأميركيين راجعوا تاريخه. عبرت عن هذا الجيل في شكل خاص الفنانة رينيه غرين، والفنان جلين ليجون. في الوقت نفسه ظهر فنانون من الشرق الأوسط على الساحة الدولية، منهم: اللبنانيان وليد رعد؛ المقيم في أميركا، وزياد عنتر؛ مصور الفوتوغرافيا والفيديو، الفنانة الإيرانية المقيمة أيضاً في أميركا سارة رهبر التي تستخدم وسائط متعددة، والفنان التركي المقيم بين اسطنبول وبرلين آيس إركمن. رد هؤلاء الفنانون على التاريخ المضطرب للمنطقة بممارسات فنية جديدة.
كما ظهر جزء من أوروبا الشرقية في ما بعد العصر الشيوعي، كاشفاً عن فنانين عملوا في درجات مختلفة من الصمت، مثل الفنان الألباني إيدي هيلا، والصربي ملادين ستيلينوفيتش، اللذين كان لهما تأثير حاسم في الجيل الحالي، ومنهم الألباني آنري سالا والكرواتي دافيد ماليكوفيتش.
فن الجسد: شهدت التسعينات في العالم كله عودة أسلوب العروض الحية المركزة على الجسد. كان الفنان الأوكراني أوليج كوليك حديث الناس بعرضه الحي الذي أطلق عليه «أصبح كلباً مجنوناً» ظهر فيه عارياً محيطاً رقبته بحزام كلب، مستكشفاً طبيعة حيوانية للإنسان. في تلك الأثناء، قدم الفنان الصيني زهانج هوان عرضه الحي «شجرة عائلة»، حيث غطى وجهه تدريجاً برموز غرافيكية صينية مستفهمة عن هوية عائلته. كان الجسد المدمر أو المجروح موضوعاً هاجسيا لكثير من الفنانين، مثل المصورة الفوتوغرافية الفرنسية صوفي ريستلهوبير التي أنتجت عام 1994 سلسلة من صور الأجساد المقطوبة الجراح سمَّتها «كل واحد». وأثر تطور التفكير في نوع الجنس في الإبداع أيضاً. مثلاً، عام 2012، أثار الفنان نيكولاس هلوبو من جنوب أفريقيا أفكاراً عن الهوية الجنسية عبر منحوتة من قطع من الأنابيب المخيطة معاً وسماها «بالينديل»، مستدعياً إمكانية أن يكون العمل «خنثى». بينما أبدعت الفنانة البريطانية سارة لوكاس منحوتات لأجساد بلا ملامح وبلا أعضاء جنسية، مموهة للحدود بين الجنسين.
الفنان كمخرج تسجيلي: قريباً من الواقعية؛ ولدت في التسعينات أيضاً ممارسة فنية مقترنة بالتصوير الفوتوغرافي وتوسعت مع الفيلم السينمائي والفيديو، هي الوثائقية. أصبح الفنان شاهداً ومعلقاً على الواقع. غطى الفنان من خلالها مجالات الصراعات المسلحة، الواقع الاجتماعي – الاقتصادي الجديد، التغيرات في المستويات الأخلاقية وتغيرات السلوك التي ظهرت بسبب الإنترنت.
على سبيل المثل، وثَّق الفنان الأميركي آلان سيكولا ذو الأصول البولندية - الإنكليزية في عمله «سبعين في سبعة» عالم العمل في كوريا الجنوبية عام 1993. وفي عمله «مشهد الجريمة» (2011) عرض الفنان الهندي آمار كانوار تشوه المناظر الطبيعية في الهند تحت ضغط شركات التعدين الكبرى. فيما استنكر مواطنه الفنان سوبوده غوبتا وضع المرأة في الهند في عمله «أخت» (2005). عام 2013، سجل الفنان السعودي أحمد مطر في سلسلته الفنية التي أطلق عليها «صحراء فاران» التغيرات الجذرية التي حدثت في مدينة مكة.
يبدو طراز الثمانينات وكثير من أسماء المبدعين الأساسيين لتلك الفترة حاضرة اليوم. العمارة الراديكالية، تصميم حركة «الفن الفقير» وأشكال جديدة من التجميع والكولاج التي أسستها في السبعينات من القرن الماضي الحركة الإيطالية الراديكالية «ستديو الكيميا وممفيس»، كلها تنتج تأثيراتها الأخيرة. في الوقت نفسه، كانت هناك عودة واضحة لحداثة معينة، ممثلة في «التبسيطية» فيصبح معدن طلي بالأسود أو الكروم القاعدة في تعليق التاريخ، وحركة «لا مستقبل» التي عادة ما تقارن بحركة «الموجة الباردة» في الموسيقى. وبدت أعمال كثير من المعماريين ترد على طراز التكنولوجيا العالي البريطاني لنورمان فوستر، والإبداع التكنولوجي لرون آراد.
هذه التبسيطية الجديدة التي جسدها في اليابان كويشيرو كوراماتا، والعمارة المضيئة لهتسوكو هاسيجاوا وطويو هيتو، أكدت شكلاً جديداً من الفردية التي حللها عام 1983 الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جيل ليبوفيتسكي في مقالته «عصر الفراغ».
تصميم ذو علاقات بالعيش: استكشف مصممون طرقاً جديدة لتناول التصميم، كرد فعل على المجتمع الاستهلاكي الذي لا يتوقف عن الإنتاج أكثر فأكثر بسرعة كبيرة. دعوا إلى العودة للتمهل، وللضروري وللطبيعة. بذلك، تحولوا إلى التصميم الذي وصفوه بـ «البطيء»، و «المنخفض».
خلال عقد من الزمن سيطرت التكنولوجيا الجديدة على التصميم، والصناعة وعمليات الإنتاج. وفرت للمبدعين مجالات غير مسبوقة للبحث من أجل إعادة التفكير في التصميم: أكثر اقتراباً من عالم العيش من المجتمع الصناعي مع دمج بين الرقمي «ديجيتال» واليدوي «ارتيزانال» في شكل هجين ذكي حر وغير معلق.




عنصرالخط فى الفن التشكيلى بقلم :سمير فؤاد 

يعتبر الخط بلا نزاع العنصر الأول فى لغة التشكيل البصرى بل يمكن بلا مغالاة ان نعتبره أهم عناصر هذه اللغة . يمكن لخط وحيد على سطح أبيض ان يولد علاقة مع فراغ اللوحه ويؤكده, وإذا قسم هذا الخط الفراغ إلى مساحتين متناسبتين فسيخلق تناغما وإتزانا وهارمونية, أما إذا كانت االمساحتان غير متناسبتين فسيخلق هذا توترا ديناميكيا.
وإذا وضع خط ثان مقابل هذا الخط فستتولد بينهما محادثة وديالوج, وإذا غيرنا من أطوال هذين الخطين  ودرجة ميل كل منهما فسنحصل على عدد لانهائى من العلاقات والإيقاعات, وإذا تقاطع الخطان فسينشأ صراع, وإذا أضفنا خطوطا أخرى فستزداد العلاقات تشعبا وتعقيدا.
إذا نظرنا إلى لوحة تكوين من المرحلة التكعيبية للفنان الفرنسى جورج براك وأنجزها سنة 19133 فسنرى كيف خلق الفنان مجموعة متشابكة من العلاقات المتناغمة والمتصارعة بين الخطوط المتوازية أحيانا والمنفرجة أحيانا والمتقاطعة أحيانا أخرى, وكيف خلقت هذه الخطوط مستويات متراكمة وعمقا لفراغ اللوحة.
 ويؤخذ الخط على أنه المعبر عن شخصية الفرد, من طريقة كتابته للكلمات أو تعبيره بالرسوم, وهو بعيد عن الغموض, واضح ومحدد ومتفرد فى آن واحد.
والخط هو المعبر الأول للفنان عن أفكاره, فهو يخطط أفكاره أى يضعها فى صورتها الأوليه على الورق, ومن هذا أشتقت كلمة تخطيط وخطة أى وضع تصور وخطوات تنفيذ عمليه أو مشروع.
 إذا نظرنا إلى لوحه رسم لفتاة للفنان الألمانى البرخت دورر من القرن السادس عشر ولوحة دراسة لفتاة جالسة للفنان النمساوى إيجون شيله سنة 1918, وبرغم الفترة الزمنية التى تفصل بينهما, فنجد ان كم التشابه بينهما مثير فى حيوية الخطوط وكيفية استعمالها للإيحاء بشكل وحجم أجزاء الجسم الإنسانى, والتعبير بأقل قدر من الخطوط عن الحالة الوجدانية للفتاة.
والخط  هو وسيلة التعبير التلقائيه للطفل حينما يبدأ فى وضع علاماته الأولى على الورق, يحرك يده ذات اليمين وذات اليسار مفتونا بقدرته على ترك أثاره على السطح.
 والخطوط أنواع فهناك الخط المستقيم, وهو خط هندسى صارم وفى أبسط تعريفاته هو المسافه بين نقطتين فى الفراغ, وهو عندما يحصر أشكالا فهى أشكال هندسيه منتظمه ..مربع..مستطيل..مثلث وهلم جرا.
 والخط المستقيم يمكنه أن يتخذ عدة أوضاع وأشكال على سطح اللوحه, فقد يكون فى وضع رأسى وهو فى هذه الحاله صاعد متزن ويعطى الإحساس بالشموخ والحياه.
ويمكن أن يكون فى وضع أفقى, وهو فى هذه الحاله مستقر هادئ ويعطى الإحساس بالسكون والموت.
 وأقصى درجات التضاد هى بين الخطين الرأسى والأفقى وقد إستعمل بيت موندريان هذا فى لوحاته ليضع تصميمات غاية فى النقاء من خطوط سوداء رأسية وأفقية تحصر بينها مستطيلات لون بعضها بالألوان الأساسية أحمر وأزرق وأصفر كما فى اللوحة المبينة.
 وهناك الخط المحورى أو المائل, وهو خط غير مستقر, فهو ينحو نحو السقوط إلى أسفل للوصول إلى الوضع الأفقى المستقر, أو يحتاج إلى قوة رفع لتشده إلى أعلى ليصل إلى الوضع الرأسى المتزن.
 إذا نظرنا إلى الصورة الفوتوغرافية لمصانع فسنرى كيف تتعارض مداخن المصانع الرأسية مع أسطحها الأفقية , الأولى تجذب البصر صعودا إلى أعلى والثانية هادئة مستقرة, وبين هذا وذاك يعطى شعاع الشمس والدخان الخارج من المداخن كمحورين مائلين حيوية وعمقا دراميا للوحة.
 وهناك الخط المنكسر والذى ينتج عن إلتقاء خطين يحصران بينهما زاوية حادة أو منفرجة, وهنا تنشأ عند تلاقى الخطين نقطة سكون أو إرتكاز, وهى مثل قمة الهرم النقطة التى ينتهى عندها الصعود ويبدأ الهبوط, أو طرف السهم الذى يشق الفراغ, النقظة التى تتركز فيها القوة.
ثم نأتى إلى الخط المتعرج وهو أكثر الخطوط المستقيمة حيوية  ونشاطا, فهو خط متوتر نشط ومتشنج, ما يكاد يندفع فى اتجاه حتى يصطدم بنقطة ارتكاز, ليتوقف بغته ثم يغير من اتجاهه ليعاود الإندفاع إلى نقطة إرتكاز أخرى وهكذا دواليك. وهو خط يوحى بالحياه والطاقه مثل أمواج البحر, ولا عجب فى أن الفنان المصرى القديم إتخذه ليمثل أمواج المياه.
إذا نظرنا إلى اللوحة للفنان محمد طه حسين ونفذها عام 19822 فسنرى كيف إستعمل الخط المتعرج فى تشكيل كلمة "بسم الله الرحمن الرحيم" ليعطيها كم من الطاقة والحيوية, وكيف إستعمل الخطوط الرأسية فى حرفى الألف والميم وأعطاها ذلك الإمتداد الطولى الذى يرفع تشكيل الكلمة إلى خارج حدود سطح اللوحة العلوى وكأنما الكلمة بمعناها السامى تخرق الحدود المادية صاعدة إلى سرمدية لانهائية.
 وكنقيض للخط الهندسى الصارم, هناك الخط المنحنى, وهو خط لين منساب تنزلق عليه العين في يسر وسهولة, خط منتشى راقص, أنثوى الطابع, يتفادى التصادم الناتج عن نقاط الإرتكاز, وهو يمكنه أن يكون متمهلا أو متسرعا, متعقلا أو إنفعاليا.
 إذا عدنا إلى لوحة ألبرخت دورر فسنرى كيف إستعمل الخطوط المنحنية للتعبير عن طيات الثوب الملتصق بذراع الفتاة وكيف تظهر وتؤكد فى إنسيابية وليونة شكله وتضاريسه, كما سنرى فى لوحة إيجون شيليه كيف عبر عن جسم الفتاة الغض بالخطوط الخارجية الواثقة الشديدة الحيوية والبالغة التعبير.

 سمير فؤاد